الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد:
يقول الله تبارك وتعالى: ï´؟ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ï´¾ [الانفطار: 10 - 12] ويقول عز وجل: ï´؟ إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ ï´¾ [الطارق: 4]، ويقول الله جل جلاله: ï´؟ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ï´¾ [الرعد: 11] إن تلك الآيات وأمثالها توضح بجلاء هؤلاء الملائكة الكِرام الموكلين ببني آدم في حفظ أعمالهم وأرواحهم، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل والنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر)) إلى آخر الحديث، فهؤلاء الملائكة هم موكلون ببني آدم، فمَلَك يكتب الحسنات، وآخر يكتب السيئات، واثنان يحفظانه بأمر الله، فهؤلاء أربعة، وهم أربعة بالليل وأربعة بالنهار، فيكون الملائكة الموكلون في اليوم والليلة ثمانية، فهل استشعرنا ذلك؟
إننا عندما نستشعر ذلك فسيكون لدينا نتائج عظيمة، ولعل من أهم تلك النتائج ما يلي:
أولًا: شكر الله تبارك وتعالى على فضله وامتنانه بحفظ الملائكة لنا بأمره عز وجل.
ثانيًا: إكرام هؤلاء الملائكة الكرام؛ حيث إنهم مصاحبون لنا في حلنا وترحالنا، وإن فعل المعصية ليس من إكرامهم، فهم يفرحون بطاعة المؤمن لربه عز وجل.
ثالثًا: إن كل طاعة وحسنة هي مكتوبة لك، وإن كل سيئة ومعصية هي مكتوبة عليك، فإذا استشعرت هذا وملأت ذهنك وفكرك منه؛ فإنك سريعًا ما تنزع عن المعصية صغرت أو كبرت، وأيضًا تُقبِل على الطاعة ولا تستقل شيئًا من الطاعة أن تفعلها، ولا تستقل شيئًا من المعصية أن تتركها.
رابعًا: الاستعداد للاستيقاظ لصلاة الفجر والعصر حيث هو وقت اجتماع ملائكة الليل وملائكة النهار عندك، فهؤلاء يغادرونك وسيسألون عنك، وهؤلاء يرابطون عندك، وهكذا يغادر هؤلاء ويأتي آخرون.
إن هذا الاستشعار يدفعنا وبقوة للمحافظة على هاتين الصلاتين، فما موقفك عندما يسألهم ربهم عز وجل وهو أعلم بهم؟ فالسائل هو الله، والمجيب هم الملائكة، وموضوع السؤال والجواب هو أنت، أيسرُّكَ أن يقال أتيناه وهو يصلي وتركناه وهو يصلي؟ أم يسرُّكَ الأمر الآخر وهو نفي الصلاة عنك في هذين الوقتين الفجر والعصر؟ حيث يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من صلَّى البَرْدَيْنِ دخل الجنة)).
استشعر أخي الكريم ذلك كثيرًا فإنه يدفع إلى تصحيح المسار؛ إن شعورك بتسجيل الملك لطاعتك يجعلك تطمئن وتسكن وترغب في الإكثار من الطاعة، وإن شعورك بتسجيل الملك لك في معصيتك يجعلك تنزع عنها، وتستغفر الله عز وجل، وترجع عنها، إن ما يسجله الملائكة في الدنيا هي الصحف والموازين غدًا يوم القيامة، فمنï´؟ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ ï´¾، فاحرص أخي الكريم على الطاعات القولية والفعلية في جميع حالاتك، فذهابك وإيابك مجال خصب للذكر الذي هو من أيسر العبادات وأعظمها، فالملائكة معك يكتبون كل ما لفظت به، وإياك ولفظ السوء فإنه مسجل عليك، يقول الله تبارك وتعالى: ï´؟ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ï´¾ [ق: 18] فعند ذلك ستتربَّى النفس على محبة الخير والإكثار منه، وعلى كره وبُغْض الشر والبعد عنه، فلنكن كذلك بوركتم ووفقتم، ولنجعل ذلك منهجًا أيضًا لأولادنا وزوجاتنا، ولننقل ذلك لجلسائنا وزملائنا ليعم الخير ويعظم، ولنحصل أيضًا من الخير على حسب ما يعملون، فأنت بذلك داعٍ إلى الله تبارك وتعالى، فيا بُشراك بذلك!
اللهم اجعلنا من خيار عبادك، وأغناهم بك، اللهم أصلحنا، وأصلح لنا وبنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.